Tuesday, February 14, 2012

احكام الصيام



اما بعد ، فان صيام شهر رمضان المبارك عبادة عظيمة خصها الله بخصائص منها ما ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري ، قال الله تعالى : " كل حسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف إلا الصيام فانه لي وانا أجزي به " 
.

فـُرض صيام رمضان في السنة الثانية للهجرة وقد صام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع سنوات توفي بعدها .

وصيام رمضان وجوبه معلوم من الدين بالضرورة ، فمن جحد فرضيته فهو كافر إلا ان يكون قريب عهد بالإسلام  أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء ، أما من أفطر في رمضان لغير عذر شرعي وهو يعتقد وجوبه عليه فلا يكفر بل يكون عاصيا وعليه قضاء الايام التي أفطر فيها.
والصيام لغة الإمساك  وشرعا الإمساك عن المفطـّرات من أكل وشرب وغيرهما من الفجر حتى المغرب مع النية المبيتة بالقلب.

والأصل في وجوب صيام رمضان قبل الإجماع آية :{ كتب عليكم الصيام} وقوله صلّى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " رواه البخاري ومسلم .

ويجب مراقبة هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لانه يجب صيامه بأحد أمرين :

1- إكمال شعبان ثلاثين يوما .
2- رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان .
لقوله صلّى الله عليه وسلّم : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم .
فمن رأى هلال رمضان صام ومن لم يره وأخبره مسلم ثقة عدل حرّ غير كاذب وجب عليه الصيام ، فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أخبرت النبيّ صلّى الله عليه وسلم اني رايت الهلال فصام وأمر الناس بالصوم ". صححه ابن حبان.

ويجوز لمن أخبره صبيّ أو فاسق أو إمرأة أو عبد  برؤية الهلال الصوم ان وثق به ، والا أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما . فإذا أثبت القاضي الصوم وجب الصيام على أهل بلد الإثبات وسائر أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية بإتحاد المطالع اي الشروق والغروب لا من خالف مَطلَعُهُمْ مطلعَها وذلك عند الشافعي . أما عند أبي حنيفة فيجب الصيام على أهل كل بلد علموا ثبوت الصيام في بلد ما مهما بعدت تلك البلاد عن البلد الذي ثبتت فيه الرؤية فيجب عنده على أهل المغرب الأقصى إذا علموا بثبوت الصيام في المشرق وكذلك العكس .



وفرائضه إثنان : النية والإمساك عن المفطرات .

1- النية: ومحلها القلب فلا يشترط النطق بها باللسان ويجب تبييتها اي ايقاعها ليلا قبل الفجر لكل يوم من رمضان بالقلب ولو قضاء، فإذا غربت الشمس على الصائم فنوى قبل ان يتعاطى مفطرا صوم اليوم التالي عن رمضان ثم لم يـُعـِد هذه النية بعد الأكل كفته . ويجب أيضا تعيين الصوم في النية كتعيين انه من رمضان أو انه عن نذر أو انه عن كفارة وان لم يبين سببها . ثم انه يجب ان ينوي لكل يوم فلا يكفي ان ينوي أول الشهر عن الشهر كله عند الشافعي.

قال العلماء :" كمال النية في رمضان :" نويت صوم غدٍ عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا وإحتسابا لله تعالى " . والإحتساب طلب الأجر . وقال بعضٌ يكفي ان ينوي في ليلة الأول منه عن جميع أيام رمضان فيقول بقلبه:" نويت صيام ثلاثين يوما عن شهر رمضان هذه السنة" .

وعلى الحائض والنفساء إذا انقطع الدم ليلة الصيام ان تنوي صيام اليوم التالي من رمضان وان لم تغتسل ، ولا يضر الأكل والنوم والجماع بعد النية وقبل طلوع الفجر . ومن نام ليلا ولم ينو الصيام حتى استيقظ بعد الفجر وجب عليه الإمساك عن المفطرات وعليه قضاء هذا اليوم ، أما صوم النفل فلا يشترط في نيته التبييت فلو استيقظ بعد الفجر ولم يأكل شيئا ولم يشرب ونوى صيام هذا اليوم قبل الزوال تطوعا لله تعالى صح صيامه.

2- الإمساك عن المفطرات: يجب الإمساك عن :

أ- الأكل والشرب وعن إدخال كل ما له حجم ولو صغير إلى الرأس أو البطن ونحوهما من منفذ مفتوح كالفم والانف ( ولو كان ذلك أجزاء صغيرة كدخان السيجارة) والقبل والدبر من الفجر إلى المغرب .
ومن أكل أو شرب ناسيا ولو كثيرا لم يفطر ولو في صيام النفل ففي الحديث الصحيح:
" من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فانما أطعمه الله وسقاه" رواه البخاري.

ب- والاستقاءة أي إخراج القيء بالإصبع ونحوه وان لم يرجع منه شيء الى الجوف وأما من غلبه القيء ولم يبلع منه شيئا فلا يفطر ولكن يطهر فمه قبل ان يبلع ريقه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" من ذرعه القيء (أي غلبه) وهو صائم فليس عليه قضاء ومن إستقاء فليقض" رواه الحاكم والأربعة .

ج- والجماع وإخراج المني بالإستمناء أو المباشرة فانه مفطر أما خروجه بالنظر ولو كان محرما وبالفكر فهو غير مفطر.

ولما كان وقت الصيام من الفجر حتى المغرب وجب معرفة طرفي النهار على كل مكلف بالصيام ، فان المؤذنين اليوم يغلب عليهم الجهل بمواقيت الصلاة فلا يعتمد على الاسطوانة التي يديرونها وقت الفجر والمغرب .

والفجر : هو البياض المعترض بالأفق الشرقي ويوجد في أوله حمرة خفيفة مختلطة ببياضه ، ثم بعد حوالي النصف ساعة تشتد هذه الحمرة فهذا البياض هو الفجر فالنية بجب إيقاعها قبل ظهور هذا البياض.
والغروب : هو مغيب قرص الشمس كله .

فمن أكل بعد الفجر معتقدا ان الفجر لم يطلع فسد صومه ولزمه القضاء وعليه الإمساك عن المفطرات باقي النهار، فان كان اجتهد فأكل ثم تبين له انه دخل الفجر لم يأثم كان اعتمد على صياح الديك المجرّب وكذا لو أكل قبيل مغيب قرص الشمس معتقدا انه غربت الشمس ثم تبين له خلاف ذلك فسد صومه ولزمه قضاء هذا اليوم. أما الذي يأكل بدون عذر قبيل الغروب فقد أثم، قال الله تعالى:{ ثم أتموا الصيام إلى الليل }[ سورة البقرة (187)] . وغروب الشمس علامة على دخول الليل . وكذلك يجب على المسلم الثبوت في الأسلام على الدوام في رمضان وغيره. فيجب عليه تجنب الوقوع في الكفر بانواعه الثلاثة:

1- الكفر القولي : كالذي يسبّ الله أو القرءان أو الإسلام  .
2- الكفر الاعتقادي : كاعتقاد ان الله جسم أو ضوء أو روح .
3- الكفر الفعلي: كرمي المصحف في القاذورات أو السجود لصنم .

لان استمرار إيمان الصائم شرط لصحة صيامه فالكفر مبطل للصيام. فمن وقع في شيء منها وهو صائم فسد صومه وعليه العود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين ، والإمساك بقية النهار ثم قضاء هذا اليوم بعد رمضان ويوم العيد فورا .

شرائط وجوب الصيام

والصيام واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام ، فلا يصح من الكافر الأصلي ولا المرتد ولا يصح من حائض ولا نفساء ، ولو صامتا حال وجود الدم فعليهما إثم وعليهما القضاء .
ولا يجب على الصبي ، ولكن يجب على وليه ان يأمره به ان أكمل سبع سنين وان يضربه على تركه إذا بلغ عشر سنين وتركه وهو يطيقه ولا يجب عليه القضاء ان أفطر.

وكذلك لا يجب على المجنون ولا قضاء عليه ، ولا على المريض الذي يضره الصوم ولا المسافر سفرا طويلا وعليهما القضاء .

ولو صام المريض والمسافر صحّ منهما ، وإذا ضرّهما حرم عليهما .

والمسافر الذي يريد الإفطار في اليوم الأول من سفره عليه ان يخرج من بلده قبل طلوع الفجر . ولا يجب على العجوز الفاني مخافة التلف والموت .

مفسدات الصيام

والذي يبطل الصيام أشياء هي:

الأكل ولو قدر سمسة أو أقل عمدا غير مكره عالما بالتحريم ، والشرب ولو قطرة ماء أو دواء .
ملاحظة : لا يضر غبار الطريق أو غربلة دقيق لعسر التحرز عنه ، ولا يضر تذوق الطعام بدون ابتلاع شيء منه أيضا .

ومن بالغ في المضمضة والاستنشاق فدخل الماء الى جوفه أفطر .وإذا أخرج ريقه من فمه ولو إلى ظاهر الشفة ثم ردّه وبلعه أفطر . أما ما دام متصلا باللسان فلا يفطر ان بلعه . وإذا جمع ريقه في فمه وابتلعه صرفا أي غير متغير لم يضر ، أما ابتلاع البلغم ففيه تفصيل :
- فان كان البلغم بـُلِع من ظاهر الفم فانه يفطّر .

- وان كان مما تحت مخرج الحاء فلا يفطّر . والبلغم لا يفطّر عند الامام أبي حنيفة ولو بلعه بعد وصوله إلى اللسان .

أما إذا بلع ريقه المتغير بدخان السيجارة التي شربها قبل الفجر أو غيرها أفطر .
وإذا غلبه القيء ثم انقطع ثم بلع ريقه قبل ان يطهر فمه فسد صيامه لان هذا الريق تنجس بالقيء الذي وصل إلى الفم .

أما الدخان الذي يصل إلى جوف الصائم من شارب السيجارة الذي يجالسه في السيارة مثلا فانه غير مفطر ، وكذلك دخان البخور وشمّ العطور بخلاف الدخان لمن يشربها لانه تنفضل عنه ذرات صغيرة تصل إلى جوفه .

والحقنة في القبل والدبر مفطرة ، وكذلك القطرة في الانف والأذن إذا وصل الدواء إلى الجوف ، وعلى قول القطرة في الأذن لا تفطّر .
وأما القطرة في العين فهي غير مفطرة ، وكذلك الإبرة في الجلد والشريان .

ومن أغمي عليه في نهار الصيام وأفاق ولم يستغرق كل اليوم فلا يُفطر . أما إذا استغرق الإغماء كل اليوم من الفجر حتى الغروب لم يصح صيامه . أما إذا طرأ جنون ولو للحظة أفطر .
وكذا إذا طرأ على المرأة حيض أو نفاس ولو قبيل الغروب أفطرت .

أما الصائم النائم إذا احتلم فلا يفطر بخلاف خروج المني منه بالاستمناء أو مع المباشرة عمدا لا ناسيا .

ويفسد صيام من جامع في نهار رمضان عامدا ذاكرا للصوم مختارا ولو لم ينزل المني. أما من جامع ناسيا فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه .

ومن استيقظ جنبا من جماع أو غيره فانه يصوم نهاره ويغتسل للصلاة ، فعن عائشة رضي الله عنها :" كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" رواه البخاري.

ومن مفسدات الصيام :

الوقوع في الكفر عمدا أي بغير سبق لسان، ولو كان الشخص مازحا أو غاضبا باختياره ذاكرا للصوم أو غير ذاكر لانه لا تصح العبادة من كافر.
وأما تقبيل الزوجة المحرك للشهوة فانه حرام لكنه لا يفطّر إذا لم ينزل المني . أما حديث :" خمس يـُفطّرن الصائم: النظرة المحرمة والكذب والغيبة والنميمة والقبلة" فلا أصل له بل هو مكذوب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولكن بعضها مثل الغيبة و النميمة يُذهب ثواب الصيام  .

مما يجب على المفطر عامدا في رمضان

الإفطار عمدا في رمضان:

1- منه ما يوجب القضاء فقط .
2- ومنه ما يوجب القضاء والفدية معا .
3- ومنه ما يوجب الفدية فقط بدل الصيام .
4- ومنه ما يوجب القضاء والكفارة معا .

1- فأما المفطر الذي يجب عليه القضاء فقط فهو:

 أ- الذي أفطر بسبب المرض .
ب- ومن كان في سفر طويل أفطر فيه .
ج- والحائض والنفساء .
د- والذي ترك الصيام في رمضان بدون عذر أو كان صائما فأفطر بمفطر غير الجماع.
ج- والحامل والمرضع ان خافتا على انفسهما .
فهؤلاء جميعا عليهم قضاء كل يوم بيوم فقط .

2- وأما المفطر الذي يجب عليه القضاء والفدية معا فهو:
الحامل والمرضع ان خافتا على ولديهما فأفطرتا فعليهما القضاء والفدية وهي مدّ من غالب قوت البلد لكل يوم . وفي مذهي الحنفيّ : إطعام مسكين مقدار ما يغذيه ويعشيه أو قيمتها .
ومن كان عليه قضاء من رمضان فأخّر صيامه حتى جاء رمضان آخر فعليه مع القضاء الفدية عن كل يوم مدّ .

3- وأما المفطر الذي يجب عليه الفدية فقط فهو :

أ-  الشيخ العجوز الذي لا يتحمل الصوم أو تلحقه مشقة شديدة فانه يفطر ويفدي عن كل يوم مدّ .
ب- المريض الذي لا يرجى شفاؤه فلا صوم عليه ولا قضاء وانما يجب عليه الفدية فقط، وهي مقدار ما يغدّي ويعشّي عند أبي حنيفة ، وعند الشافعي مدّ قمح أو غيره على حسب قوت البلد الغالب .

4- وأما المفطر الذي يجب عليه القضاء والكفارة معا فهو الذي أفسد صوم يوم من رمضان بجماع عامدا بإختياره ذاكرا للصيام ولو لم ينزل المنيّ فان عليه قضاء هذا النهار الذي أفسده كما يجب عليه الكفارة.

والكفارة على هذا الترتيب .
أ- عتق رقبة مؤمنة. فان لم يستطع :
ب- فصيام شهرين متتابعين غير يوم القضاء فان أفطر خلال الشهرين يوما ولو لمرض استانف ( أي أعاد ). فان عجز عن الصيام أيضا :
ج- فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد . وعند أبي حنيفة لكل مسكين مقدار ما يغدّي ويعشّي .
فان عجز عنها كلها استقرت الكفارة في ذمته ولا شيء عليه بدلها .

ما يستحب في الصيام

ويستحب في الصيام أشياء هي:
أ- تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس لقوله صلّى الله عليه وسلّم :"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" رواه مسلم .
ويستحب ان يفطر على تمر فان لم يجد فعلى ماء وذلك قبل ان يصلي المغرب لقوله صلّى الله عليه وسلّم :" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فان لم يجد فليفطر على ماء فانه طهور ". رواه أبو داود .
ويقول: " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
ولا بد قبل الإفطار من التحقق من غروب الشمس ولا يكفي الاعتماد على أذان الإذاعة فقط فانه قد يحصل تسرع في إعلان الأذان قبل وقته كما حصل في الماضي.

ب- تأخير السَّحور الى آخر الليل وقبل الفجر ولو بجرعة ماء . فعمن انس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" تسحّروا فان في السَّحور بركة" . رواه مسلم .

ج- وكذلك يتأكد في حق الصائم صون لسانه عن الكذب والغيبة والكلام البذيء وغير ذلك من الأمور المحرمة .
فاعلم أخي المسلم ان الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى أهون من الصبر على عذابه.
فكف بطنك عن المحرمات وقت الإفطار وغضَّ بصرك عن النظر المحرم والكلام البذيء المنهي عنه كالكذب والغيبة وهي ذكرك أخاك المسلم بما يكره لغير سبب شرعي بما فيه في خلفه ، وكـُفّ عن الفحش والخصومة والجفاء والمِراء.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " انما الصوم جـُنـّة ( أي وقاية) فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: اني صائم اني صائم ". وكما يتأكد في رمضان:
كـُفّ السمع عن الاصغاء الى كل ما حرُم الاصغاء إليه .
وكـُفّ بقية الجوارح من اليد والرجل عن المعاصي والآثام والمكاره .
وكما يندب كثرة الجود ، وصلة الرحم ، وكثرة تلاوة القرءان ، والاعتكاف في المسجد ولا سيما في العشر الأواخر. فعن ابن عمر ان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان" رواه مسلم .

وان يفطّر الصّوام ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" من فطّر صائما كان له مثل أجره غير انه لا ينقص من أجر الصائم شيء" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وان يقول ان شوتـِم : اني صائم   اني صائم .

تنبيه:

من مات وعليه قضاء من رمضان صام عنه وليّه . فعن عائشة رضي الله عنها : ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:" من مات وعليه صيام صام عنه وليّه" رواه مسلم .



الإيام التي يحرم الصيام فيها

1- يوم عيد الفطر الذي تصلى فيه الصلاة.
2- يوم عيد الأضحى الذي تصلى فيه الصلاة .
فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:" نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صومين: يوم الفطر ويوم الأضحى" .
3- أيام التشريق الثلاثة وهي التي تلي عيد الأضحى . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" أيام التشريق أيام أكل وشرب" رواه مسلم .
4- يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث من لا يثبت الصيام بقوله من فسقة ونسوة وصبيان ونحوهم انهم رأوْا هلال رمضان ، فقد نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صومه بقوله:" لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" رواه البخاري .
5- النصف الأخير من شعبان فلا يصح صومه إلا ان يصله بما قبله أو صامه عن قضاء أو نذر .
ويندب صوم ستة من شوال ، وتندب متتابعة تلي العيد ، فان فرقها حصلت السنة، فعن أبي أيوب الانصاري ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:" من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم .
ومن دخل في صوم فرضا أداءً كان أو قضاء أو نذرا حرُم قطعه ، أما إذا كان نفلا جاز قطعه .

زكاة الفطر

وهي زكاة عن البدن لا عن المال ، واجبة على كل مسلم فـَضُلَ عن نفقته ونفقة من يقوته يوم الفطر وليلته صاع من غالب قوت البلد. والصاع النبويّ مقدار أربع حفنات بالكفين المعتدلتين .

وتعطى لفقير محتاج ومن يستحق الزكاة ، ويجب على الرجل فـِطْرَة زوجته وأولاده الذين هم دون البلوغ وكل قريب هو في نفقته أي ممن تجب عليه كالآباء والأمهات ، ولا تجب زكاة الفطر عن الكافر ، ولا يصح اخراج زكاة الفطر عن الولد البالغ إلا بإذنه فليتنبه لذلك فان كثيرا من الناس يغفلون هذا الحكم  فيخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه . وفي أداء زكاة الفطر لا بد من النية مع الإفراز . والإفراز:

هو عزل القدر الذي سيدفعه زكاة كان يقول بقلبه: هذه زكاة بدني ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:" انما الأعمال بالنيات" رواه البخاري ومسلم .

وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان على من أدرك جزءاً من رمضان وجزءاً من شوال ، فعلى هذا فانها تجب على الولي عن المولود الجديد الذي وُلد آخر أيام رمضان ويجب أداؤها قبل غروب شمس يوم العيد ، ويحرم تأخيرها عنه بلا عذر ويجوز تعجيلها من أول أيام رمضان والأفضل ان تـُخرج يوم العيد قبل الصلاة أي قبل صلاة العيد .

وسبحان الله والحمد لله رب العالمين .

الصوم


كتاب الصوم
‎‎ معنى الصيام لغة ً: الإمساك. ‏
 وشرعا ً: هو إمساك بنية عن المفطرات في زمن مخصوص من شخص مخصوص. ‏
وجوب صوم رمضان،  وبيان فضل الصيام: 
‎‎ الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات والأصل في فرضيته قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون َ} [البقرة: 183].‏
‎‎ وقوله تعالى في آية الصيام: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185].‏
‎‎ عن أبى هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز جل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنه، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل : إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) متفق عليه. وهذا لفظ رواية البخاري.‏
‎‎ وفي رواية لمسلم: (كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ).‏
‎‎ وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا اُغلق، فلم يدخل منه أحد ) متفق عليه.‏
‎‎ وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ) متفق عليه.‏
حكمة مشروعية الصوم: 
شرع الصوم لأمور منها: أن في الصوم قهر النفس وكسر الشهوة، لأن النفس إذا شبعت تطلب الشهوة، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (
من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) متفق عليه. واللفظ للبخاري. فكان الصوم ذريعة إلى الامتناع عن المعاصي، لأنه إذا انقادت نفسه للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله تعالى وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً في اتقاء محارم الله تعالى، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية وجوب الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون } ومنها: أن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، وهي من أجل النعم وأعلاها. والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرف قدرها، إذ النعم مجهولة فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وشكر النعمة واجب، وإليه الإشارة  في قوله تعالى في آية الصيام: {َلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون } ومنها: اقتضاؤه الرحمة والعطف على المساكين الذين يذوقون ألم الجوع، فإذا ذاق الإنسان ألمه في بعض الأوقات فإنه يذكر من هو ذائقه في جميع الأوقات.‏
حكمة تخصيص صيام الفرض برمضان: 
‎‎ اختص الصيام بشهر رمضان لأن في ذلك الشهر طلعت شمس الشريعة الإسلامية فأضاءت الوجود، وأزالت ظلمات الشرك والضلال، فقد تضمن شهر رمضان أعظم ذكرى تاريخية بإنزال القرآن الكريم فيه، ولأن فيه ليلة القدر التي خص الله بها هذه الأمة، وجعل العمل فيها خيراً من عبادة ألف شهر. فلهذا الشرف والفضل خصه الله تعالى بالصيام والقيام وتلاوة القرآن، وجعله من أيام إحسانه ورحماته.‏
حكمة النهي عن صيام بعض الأيام: 
‎‎ ثبت النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق لما فيه من الإعراض عن ضيافة الله تعالى، ولأنها أيام أكل وشرب وتزاور.‏
‎‎ وأما صوم الوصال فإنما ورد النهي عنه لأنه يضعف الإنسان عن أداء الفرائض، ويقعده عن السعي والكسب الذي لابد منه. ‏
متى يجب الصوم:‏
 يجب الصوم بأمور:‏
1. إما برؤية هلال رمضان، لقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه } البقرة:185.‏
2. أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً إذا لم ير الهلال قبل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غُمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) متفق عليه واللفظ للبخاري.‏
شروط وجوب الصوم: 
‎‎ وهي أربعة:‏
1. الإسلام: فلا يصح من كافر.‏
2. البلوغ: فلا يجب على صغير لعدم تكليفه.‏
3. العقل: فلا يجب على مجنون لحديث: (رفع القلم عن ثلاثة ) أخرجه النسائي، وصححه الألباني.‏
4. القدرة على الصوم: فلا يجب على عاجز، لكن من عجز لكبر أو مرض فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً مد بر أو نصف صاع من غيره لقوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية } البقرة:184.‏
شروط صحة الصوم:
 وهي ستة شروط:‏
1. الإسلام: وهو شرط للصحة كما أنه شرط للوجوب.‏
2. انقطاع دم الحيض، وهو أن تطهر المرأة وإن لم تغتسل. ‏
3. انقطاع دم النفاس، وإن لم تغتسل المرأة. ‏
4. التمييز: فيصح من المميز لكن لا يجب عليه، أما غير المميز فلا يصح منه.‏
5. العقل: فلا يصح من مجنون.‏
6. النية: فلا يصح الصوم بدون نية، فإن كان الصوم فرضاً أو واجباً لزم أن ينوى من الليل (والليل يمتد إلى ما قبل طلوع الفجر ولو بلحظة ) وإلا فلا صيام له، أما في النفل فلا يشترط ذلك، بل يصح بنية من النهار إذا لم يتناول مفطراً. ‏
ركن الصوم: 
‏  هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، لقوله تعالى: {
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } البقرة:187.‏
سنن الصوم: 1. ‏تعجيل الفطور: لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ) متفق عليه.‏
‎2. تأخير السحور.‏
3. أكلة السحر مستحبة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة ) متفق عليه.‏
‎4. تجنب اللغو والسباب: لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم ) متفق عليه .‏
5. قوله عند فطره: (ذهب الظمأ وابتلت العروق ووجب الأجر إن شاء الله ) رواه أبو داود، وقال المنذري: حسن صحيح.‏
‎6. وإفطاره على رطب، فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء للحديث الوارد في ذلك.‏
المفطرات: 1. لأكل أو الشرب متعمداً، فإن أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه. ‏
2. خروج دم الحيض والنفاس بإجماع العلماء.‏
‎3. الموت: لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ) رواه البخاري.‏
‎4. الردة: لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك } الزمر:65.‏
‎5. القيء متعمداً: وهو مفطر بإجماع العلماء.‏
‎6. قطع نية الصوم: وهو مفطر بإجماع العلماء في الصوم الواجب.‏
‎7. إنزال المني بتكرار النظر قياساً على الإنزال باللمس، لا بنظرة واحدة ولا بتفكر أو احتلام فلا يفطر.‏
‎8. الجماع ولو لم ينزل: وعليه كفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.‏
9. وصول شيء إلى الجوف عن طريق الأنف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (وبالغ في الإستنشاق إلا أن تكون صائماً ) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح.‏
10. استعمال الإبر المغذية.‏
‎* ويكره كل ما لم يصل إلى حد الإفطار من المفطرات، كالعبث بالأكل في الفم مما يخشى معه الأكل .‏
صوم التطوع: 
يسن صوم الأيام التالية:‏
1. أيام البيض: وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر.‏
‎‎ لحديث أبي هريرة : (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: وذكر منها صيام ثلاثة أيام من كل شهر ) متفق عليه.‏
‎2. صوم الخميس والإثنين لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصومها فسئل عن ذلك فقال: (تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ) رواه الترمذي وقال: حسن غريب.‏
‎3. صيام ستة أيام من شوال: لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر ) رواه مسلم.‏
‎4. صوم شهر الله المحرم:‏
‎‎ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) رواه مسلم .‏
5. وآكده يوم عاشوراء: ومن صامه فهو كفارة سنة من الذنوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده ) رواه مسلم.‏
6. صوم عشر ذي الحجة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (مامن أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) رواه البخاري.‏
7. وآكدها يوم عرفة: وهو كفارة سنتين لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ) رواه مسلم.‏
الأيام التي يكره صيامها: 
1. يكره إفراد رجب بالصوم.‏
‎2. أو أفراد الجمعة والسبت.
3. وكره صوم يوم الشك.‏

فتاوى العلماء في الصوم
من فتاوى الشيخ العلاّمة ابن عثيمين حفظه الله: 
1. التحليل لا يفسد الصوم.‏
‎‎ س: ما حكم من سحب منه دم من يده اليمنى وهو صائم في رمضان، وذلك بغرض التحليل، ومقداره (برواز ) متوسط؟‏
‎‎ ج: مثل هذا التحليل لا يفسد الصوم بل يعفى عنه لأنه مما تدعو الحاجة إليه، وليس من جنس المفطرات المعلومة من الشرع المطهر.
2. الحقن في نهار رمضان
‎‎ س: هل الإبر والحقن العلاجية في نهار رمضان تؤثر على الصيام؟‏
‎‎ ج: الإبر العلاجية قسمان: أحدهما ما يقصد به التغذية ويستغنى به عن الأكل والشرب لأنها بمعناه فتكون مفطرة، لأن نصوص الشرع إذا وجد المعنى الذي تشتمل عليه في صورة من الصور حكم على هذه الصورة بحكم ذلك النص. أما القسم الثاني: وهو الإبر التي لا تغذي يعني أي لا يستغني بها عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر، لأنه لا يتناولها النص لفظاً ولا معنى، فهي ليست أكلاً ولا شراباً ولا بمعنى الأكل والشرب. والأصل صحة الصيام حتى يثبت ما يفسده بمقتضى الدليل الشرعي.‏
3. الروائح العطرة في نهار رمضان
‎‎ س: ما حكم استعمال الصائم للروائح العطرية في نهار رمضان؟‏
‎‎ ج: لا بأس أن يستعملها في نهار رمضان وأن يستنشقها، إلا البخور لا يستنشقه لأن له جرماً يصل إلى المعدة وهو الدخان. ‏
4. دواء الغرغرة
‎‎ س: هل يبطل الصوم باستعمال دواء الغرغرة؟‏
‎‎ ج: لا يبطل الصوم إذا كان لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة، ولا تفطر به إذا لم يدخل جوفك شيء منه. ‏
فتوى المجمع الفقهي الإسلامي:   
العمل بالرؤية في إثبات الأهلة لا بالحساب الفلكي: 
‎‎ الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:‏
‎‎ إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع في دورته الرابعة المنعقدة بمقر الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة ما بين السابع والسابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1401هـ. على صورة خطاب الدعوة الإسلامية في سنغافورة المؤرخ في 16شوال 1399هـ. الموافق 8أغسطس 1979م الموجه لسعادة القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية هناك، والذي يتضمن أنه حصل خلاف بين هذه الجمعية وبين المجلس الإسلامي في سنغافورة في بداية شهر رمضان ونهايته سنة 1399هـ الموافق 1979م، حيث رأت الجمعية ابتداء شهر رمضان وانتهاءه على أساس الرؤية الشرعية وفقاً لعموم الأدلة الشرعية، بينما رأى المجلس الإسلامي في سنغافورة ابتداء ونهاية رمضان المذكور بالحساب الفلكي، معللاً ذلك بقوله (بالنسبة لدول منطقة آسيا حيث كانت سماؤها محجبة بالغمام، وعلى وجه الخصوص سنغافورة، فالأماكن لرؤية الهلال أكثرها محجوبة عن الرؤية، وهذا يعتبر من المعذورات التي لا بد منها، لذا يجب التقدير عن طريق الحساب ).‏
‎‎ وبعد أن قام أعضاء مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بدراسة وافية لهذا الموضوع على ضوء النصوص الشرعية قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تأييده لجمعية الدعوة الإسلامية فيما ذهبت إليه لوضوح الأدلة في ذلك.‏
‎‎ كما قرر أنه بالنسبة لهذا الوضع الذي يوجد في أماكن مثل: سنغافورة وبعض مناطق آسيا وغيرها، حيث تكون سماؤها محجوبة بما يمنع الرؤية، فإن للمسلمين في تلك المناطق وما شابهها أن يأخذوا بمن يثقون به من البلاد الإسلامية التي تعتمد على الرؤية البصرية للهلال دون الحساب بأي شكل من الأشكال، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) وما جاء في معناهما من الأحاديث.‏ ‏
مسألة اختلاف المطالع أو توحدها: 
‎‎ الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:‏
‎‎ لقد درس المجمع الفقهي الإسلامي مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها، فرأى أن الإسلام بني على أنه دين يسر وسماحة تقبله الفطرة السليمة والعقول المستقيمة لموافقته للمصالح. ففي مسألة الأهلة ذهب إلى إثباتها بالرؤية البصرية لا على اعتمادها على الحساب كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة، كما ذهب إلى اعتبار اختلاف المطالع، لما في ذلك من التخفيف على المكلفين، مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح. فما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعاً وعقلاً. أما شرعاً فقد أورد أئمة الحديث حديث كريب وهو: إن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: (فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل علي شهر رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم في صحيحه.‏
‎‎ وقد ترجم الإمام النووي على هذا الحديث في شرحه على مسلم بقوله: باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم. ولم يخرج عن هذا المنهج من أخرج هذا الحديث من أصحاب الكتب الستة: كأبي داود والترمذي والنسائي في تراجمهم له.‏
‎‎ وناط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دون غيرها، لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ). رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.‏
‎‎ فهذا الحديث علق الحكم بالسبب الذي هو الرؤية، وقد توجد في بلد كمكة والمدينة ولا توجد في بلد آخر، فقد يكون زمانها نهاراً عند آخرين فكيف يؤمرون بالصيام أو الإفطار، وقد قرر العلماء من كل المذاهب أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند الأكثر. فقد روى ابن عبد البر الإجماع على أن تراعى الرؤى فيما تباعد من البلدان كخراسان من الأندلس، وأن لكل بلد حكماً يخصه. وكثير من كتب أهل المذاهب الأربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع للأدلة القائمة من الشريعة بذلك، وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل.‏
‎‎ وأما عقلاً فاختلاف المطالع لا اختلاف لأحد من العلماء فيه لأنه من الأمور المشاهدة التي يحكم بها العقل، فقد توافق الشرع والعقل على ذلك، فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك، التي منها أوقات الصلاة ومراجعة الواقع تطالعنا بأن اختلاف المطالع من الأمور الواقعية. وعلى ضوء ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي أنه لا حاجة  إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي، لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد. وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة، وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شئونهم. والله ولي التوفيق.‏
‎‎ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. ‏